شعر،ادب،فاروق جويده يؤرخ للثورة
من يستطيع أن يحفظ التاريخ سوى كلمات تتناقلها الأجيال، أو طرب أصيل يُحفر في الأذهان، أو فيلم محترم يوثّق للتاريخ.. فاروق جويدة -شاعر الفصحى الجواد- أعلن عن تأريخه الخاص بثورة الشباب البيضاء
التي تُعرف بثورة الخامس والعشرين من يناير التي نجحت في خلق عهد جديد من الحرية، و"جويدة" يتميز عن غيره بأنه يسطع في كل مناسبة ليصوغ لك شعراً يظلّ للأبد في مخيلتك.. ودموعنا يوم أن ألقى قصيدته العصماء "هذه البلاد لم تعد كبلادي" خير دليل.
و"جويدة"، برغم تفرّده بالشعر الرومانسي المُرهف؛ إلا أن وطنيته تتجلى في أبهى حُلة في قصائده المختلفة، تشعر من خلالها أن هذا الرجل مهموم بمشاكل وطنه من الأعماق، وحب هذا الكيان داخله ينثره في كلمات رقراقة لا يستطيع نسجها سواه. ويبدو أن عيد ميلاد شاعرنا، الذي كان في العاشر من فبراير، لم يمرّ كغيره من أيام ميلاده، فقد خرج علينا بقصيدته "الأرض قد عادت لنا"، تلك القصيدة الطويلة المفعمة بكل المشاعر والأحاسيس التي يزفر بها كل منا، وهنا تكمن بلاغة هذا العملاق الشعري.. وننقل لكم مقاطع من تلك القصيدة التي يقول فيها:
يا سيدي الفرعون..
شعبك ضائع في الليل
يخشى أن ينام
في الجوع لا أحد ينام
في الخوف لا أحد ينام
في الحزن لا أحد ينام
من لم يمت في السجن قهراً
مات في صخب الزحام
حتى الصغار تشردّوا بين الأزقة
يبحثون عن الطعام
من لم يمت بالجوع منهم..
مات في بؤس الفطام
وتسير كالطاووس.. والسفهاء حولك
يلعقون حذاءك المعجون
من نبض الجماجم والعظام
وأراك تحكي عن زمان الأمن..
ترسم صورة الأمل المحلق
بين رايات السلام!
هذا سلام اللهو والعبث الرخيص وسكرة الأوهام
هذا سلام الراقصين على طبول القهر..
والصبح المكبل بالظلام
هذا سلام العاجزين السابحين..
على شراع من حطام
هذا سلام الرقص في صخب الملاهي..
والليالي السود.. والمال الحرام
هذا سلام السارقين الراكعين..
المنتشين بخمرة الحكام
لا زلت يا مولاي تطرب من أهازيج السلام
***
يا سيدي الفرعون..
كيف أنام.. والأبناء في قلبي جياع؟!
كيف السبيل إليك والشكوى ضياع؟!
حاولت يوماً أن أشقّ البحر.. أن ألقاك..
ثار الموج.. والتهم الشراع
شاهدت طلعتك البهية..
والجنود يطاردون الناس حولك..
كان يفصلنا ذراع
وهوت على رأسي الأيادي السود تصفعني
وتعوي فوق أشلائي الضباع
الشمس غامت في عيوني..
والمدى حولي زئير.. أو صراخ.. أو قناع
أسلمت نفسي للطريق.. ولم أزل أجري..
يطاردني قناع.. ثم يصفعني قناع
أدركت يا مولاي.. كيف يموت طفل..
لم يزُر عينيه ضوء.. أو يصافحها شعاع
أدركت كيف يضيع عمر المرء
في وهم طويل أو خداع..
اسأل رجالك إن أردت
عن الرحيل بلا وداع
فالناس تهرب في الشوارع
كلما ظهر القناع
عينان غائرتان كالبحر السحيق..
رفات وجه جامد..
ويدان جاحظتان خلفهما ذراع
وعلى المدى سجن بعرض الكون..
أسنان بلون الليل.. يخفيها القناع
الأرض يا مولاي يسكنها قناع
كانت لنا وطن كصدر الأم يحتضن الجميع
في الأمن في الماء المقطّر من عيون الصبح..
في دفء الربيع
لا فرق يا مولاي في أرحامنا
يوماً أتينا من ظلام دامس..
من عاش في قصر منيف..
من تسلل في القطيع
لا فرق في أنسابنا
لا فرق بين خميلة رضعت ضياء الشمس
أو أخرى يحاصرها الصقيع
لكنّ مولاي المعظم
لا يميل إلى الخيول
ويحب أصوات الحناجر.. والمباخر.. والطبول
لِمَ تكره الأشجار يا مولاي؟!
هل في النخل عيب أو رذيلة؟!
الناس تفرح كلما ارتفعت وراء الأفق
نخلات جميلة
حتى العصافير الجميلة هاجرت
خلف الأماني.. والأغاني المستحيلة
غنّت لنا زمناً.. وقد كبّلتها
في ساحة الطغيان مرغمة ذليلة
غزت الخفافيش الكئيبة أرضنا
وغدت خطى الفرسان مثقلة هزيلة
لا خير في وطن يبيع خيوله
كي يشتري بالعار أحزان القبيلة
***
هذا هو النسيان يا مولاي يطردنا من التاريخ
والأمس الحزين الآن يصرخ حولنا
لا شيء يبدو في الظلام أمامنا
هذي خيول الأمس تركض بالبطون..
صهيلها المهزوم يبكيها.. ويبكي حالنا
غيّرت خارطة الزمان..
بنيت أشباحاً على الطرقات..
تشبهنا.. وتحمل اسمنا
مولاي أخطأنا كثيراً في الحساب..
فقد نسينا ما عليك.. وكم نسينا ما لنا
أجهضت آخر ما تبقى من ليالي الحلم
من زمن البراءة بيننا
لكنه زمن الخضوع.. وسطوة الطغيان..
والجلاد يرتع خلفنا
فلكم حلمنا أن نرى
وطناً عزيزاً آمناً
ولكم حلمنا أن نرى
شعباً نقياً.. مؤمناً
وطناً ترهّل خلف قافلة الزمان..
يسير مكتئباً حزيناً.. واهناً
يا أيها الفرعون فارحل عن مدينتنا
كفاك الآن طغياناً وظلماً بينا
افتح لنا الأبواب..
واتركنا لحال سبيلنا
أترى تُصَدّق أن يكون الخوف حصناً آمناً؟!
أترى تصدق أن يصير الحلم يوماً مدفناً؟
ما عدت أملك غير فقري مسكناً
ما عدت أعرف غير حزني موطناً
فلقد نسيت طوال عهدك من أنا
ارحل وخلفك لعنة التاريخ..
أمّا نحن..
فاتركنا لحال سبيلنا..
نبني الذي ضيّعت من أمجادنا
نحيي الذي ضيعت من أعمارنا
دعنا نفتّش في خريف العمر..
عن وطن عريق.. كان يوماً للكرامة موطناً..
الناس تصرخ في الشوارع.. أرضنا أولى بنا
والأرض قد عادت لنا
الأرض قد عادت لنا
من يستطيع أن يحفظ التاريخ سوى كلمات تتناقلها الأجيال، أو طرب أصيل يُحفر في الأذهان، أو فيلم محترم يوثّق للتاريخ.. فاروق جويدة -شاعر الفصحى الجواد- أعلن عن تأريخه الخاص بثورة الشباب البيضاء
التي تُعرف بثورة الخامس والعشرين من يناير التي نجحت في خلق عهد جديد من الحرية، و"جويدة" يتميز عن غيره بأنه يسطع في كل مناسبة ليصوغ لك شعراً يظلّ للأبد في مخيلتك.. ودموعنا يوم أن ألقى قصيدته العصماء "هذه البلاد لم تعد كبلادي" خير دليل.
و"جويدة"، برغم تفرّده بالشعر الرومانسي المُرهف؛ إلا أن وطنيته تتجلى في أبهى حُلة في قصائده المختلفة، تشعر من خلالها أن هذا الرجل مهموم بمشاكل وطنه من الأعماق، وحب هذا الكيان داخله ينثره في كلمات رقراقة لا يستطيع نسجها سواه. ويبدو أن عيد ميلاد شاعرنا، الذي كان في العاشر من فبراير، لم يمرّ كغيره من أيام ميلاده، فقد خرج علينا بقصيدته "الأرض قد عادت لنا"، تلك القصيدة الطويلة المفعمة بكل المشاعر والأحاسيس التي يزفر بها كل منا، وهنا تكمن بلاغة هذا العملاق الشعري.. وننقل لكم مقاطع من تلك القصيدة التي يقول فيها:
يا سيدي الفرعون..
شعبك ضائع في الليل
يخشى أن ينام
في الجوع لا أحد ينام
في الخوف لا أحد ينام
في الحزن لا أحد ينام
من لم يمت في السجن قهراً
مات في صخب الزحام
حتى الصغار تشردّوا بين الأزقة
يبحثون عن الطعام
من لم يمت بالجوع منهم..
مات في بؤس الفطام
وتسير كالطاووس.. والسفهاء حولك
يلعقون حذاءك المعجون
من نبض الجماجم والعظام
وأراك تحكي عن زمان الأمن..
ترسم صورة الأمل المحلق
بين رايات السلام!
هذا سلام اللهو والعبث الرخيص وسكرة الأوهام
هذا سلام الراقصين على طبول القهر..
والصبح المكبل بالظلام
هذا سلام العاجزين السابحين..
على شراع من حطام
هذا سلام الرقص في صخب الملاهي..
والليالي السود.. والمال الحرام
هذا سلام السارقين الراكعين..
المنتشين بخمرة الحكام
لا زلت يا مولاي تطرب من أهازيج السلام
***
يا سيدي الفرعون..
كيف أنام.. والأبناء في قلبي جياع؟!
كيف السبيل إليك والشكوى ضياع؟!
حاولت يوماً أن أشقّ البحر.. أن ألقاك..
ثار الموج.. والتهم الشراع
شاهدت طلعتك البهية..
والجنود يطاردون الناس حولك..
كان يفصلنا ذراع
وهوت على رأسي الأيادي السود تصفعني
وتعوي فوق أشلائي الضباع
الشمس غامت في عيوني..
والمدى حولي زئير.. أو صراخ.. أو قناع
أسلمت نفسي للطريق.. ولم أزل أجري..
يطاردني قناع.. ثم يصفعني قناع
أدركت يا مولاي.. كيف يموت طفل..
لم يزُر عينيه ضوء.. أو يصافحها شعاع
أدركت كيف يضيع عمر المرء
في وهم طويل أو خداع..
اسأل رجالك إن أردت
عن الرحيل بلا وداع
فالناس تهرب في الشوارع
كلما ظهر القناع
عينان غائرتان كالبحر السحيق..
رفات وجه جامد..
ويدان جاحظتان خلفهما ذراع
وعلى المدى سجن بعرض الكون..
أسنان بلون الليل.. يخفيها القناع
الأرض يا مولاي يسكنها قناع
كانت لنا وطن كصدر الأم يحتضن الجميع
في الأمن في الماء المقطّر من عيون الصبح..
في دفء الربيع
لا فرق يا مولاي في أرحامنا
يوماً أتينا من ظلام دامس..
من عاش في قصر منيف..
من تسلل في القطيع
لا فرق في أنسابنا
لا فرق بين خميلة رضعت ضياء الشمس
أو أخرى يحاصرها الصقيع
لكنّ مولاي المعظم
لا يميل إلى الخيول
ويحب أصوات الحناجر.. والمباخر.. والطبول
لِمَ تكره الأشجار يا مولاي؟!
هل في النخل عيب أو رذيلة؟!
الناس تفرح كلما ارتفعت وراء الأفق
نخلات جميلة
حتى العصافير الجميلة هاجرت
خلف الأماني.. والأغاني المستحيلة
غنّت لنا زمناً.. وقد كبّلتها
في ساحة الطغيان مرغمة ذليلة
غزت الخفافيش الكئيبة أرضنا
وغدت خطى الفرسان مثقلة هزيلة
لا خير في وطن يبيع خيوله
كي يشتري بالعار أحزان القبيلة
***
هذا هو النسيان يا مولاي يطردنا من التاريخ
والأمس الحزين الآن يصرخ حولنا
لا شيء يبدو في الظلام أمامنا
هذي خيول الأمس تركض بالبطون..
صهيلها المهزوم يبكيها.. ويبكي حالنا
غيّرت خارطة الزمان..
بنيت أشباحاً على الطرقات..
تشبهنا.. وتحمل اسمنا
مولاي أخطأنا كثيراً في الحساب..
فقد نسينا ما عليك.. وكم نسينا ما لنا
أجهضت آخر ما تبقى من ليالي الحلم
من زمن البراءة بيننا
لكنه زمن الخضوع.. وسطوة الطغيان..
والجلاد يرتع خلفنا
فلكم حلمنا أن نرى
وطناً عزيزاً آمناً
ولكم حلمنا أن نرى
شعباً نقياً.. مؤمناً
وطناً ترهّل خلف قافلة الزمان..
يسير مكتئباً حزيناً.. واهناً
يا أيها الفرعون فارحل عن مدينتنا
كفاك الآن طغياناً وظلماً بينا
افتح لنا الأبواب..
واتركنا لحال سبيلنا
أترى تُصَدّق أن يكون الخوف حصناً آمناً؟!
أترى تصدق أن يصير الحلم يوماً مدفناً؟
ما عدت أملك غير فقري مسكناً
ما عدت أعرف غير حزني موطناً
فلقد نسيت طوال عهدك من أنا
ارحل وخلفك لعنة التاريخ..
أمّا نحن..
فاتركنا لحال سبيلنا..
نبني الذي ضيّعت من أمجادنا
نحيي الذي ضيعت من أعمارنا
دعنا نفتّش في خريف العمر..
عن وطن عريق.. كان يوماً للكرامة موطناً..
الناس تصرخ في الشوارع.. أرضنا أولى بنا
والأرض قد عادت لنا
الأرض قد عادت لنا